اليتيم
اليتيم.. هو اليوم..في قمة نجاحه وقوته…لكن ثمة …أحداث لا تُمحى من الذاكرة ..كنشأته يتيم الأبوين..لذا فلا غرو أن اصطبغ وجهه…بمسحة الحزن…واستقر في نظرته.. شعور شديد بالرثاء لحاله …
إذ..يطالعه شعور…بأنه بلا جذور…هو أشبه بشيء خفيف معلق..لا وزن له…ولا يعرف في داخله.. مستقراً…ولا دوام…
هو دوماً على موعد مع الرحيل..كما كانت طفولته..من بيت يغلق أبواب رحمته..لٱخر يستقبله إلى حين…ثم تُعاد الكرة وتُغلق الأبواب…إلى أن وجد نفسه ذات يوم…في إحدى دور الأيتام..
محاطاً بنظرات الشفقة….ليس له حق في أي شيء…ولا حظوة عند أي إنسان…مطروداً من محبتهم …هو بالنسبة لهم… شخصاً جديراً بالرثاء…ووسيلة للتقرب إلى الله…فلا بأس..بالإحسان إليه..بفتات الطعام غالباً
…وأطيبه..في شهر الصيام…ولا بأس ببعض الثياب البالية..ولا مانع أيضاً من المسح على رأسه… طمعاً فى محو الذنوب…وكسب الثواب
هكذا…كان قدره عندهم…ليس لديه أحد يستطيع أن يبثه حزنه…أو ينبئه بمكنون نفسه…
ولقد كان على صغر سنه…عميق الإدراك… وما أصعب أن يدرك الإنسان كل الحقيقة.. حقيقة حاله..في مثل هذه السن…
لذا فلا عجب أن انصرف عن التسلي مع سائر الرفاق..وانطوى على نفسه…وصادق الكتب..وبثّها همه…ولقد أحسن صحبة الكتب..وأحسنت صحبته…
ووجد نفسه محاطاً بنظرات الاحترام والإعجاب…وخفت حدة نظرات الرثاء بعض الشيء…لكنه..كان يستشعر هو ذاته ..ذلك الإحساس بالرثاء…إذ ليس له مكان ينتمي إليه… يستطيع أن يلجأ إليه…هو دائماً كالضيف.. الضيف الثقيل…
لذلك..فقد اعتاد ألا يسأل أحد شيئاً…واتكأ على ساعديه..وواصل الليل بالنهار..وانتظم فى صفوف الدراسة والعمل…حتى أوتي ثمار عمله..
واستطاع أن يحقق شيئاً ملموساً..أن يملك بيتاً …يؤويه..إذ لأول مرة..يستشعر بأنه ليس شبحاً ثقيلاً..يجثم على أنفاس أهل الدار…ذاك موطنه…
وهؤلاء هم أهله…زوجته وولده..لكن
..وٱه من لكن…من الداخل…لازال الطفل اليتيم..جاثٍ على ركبتيه..يئن من آفة اليتم..وذل الإحسان..لا زال الطفل لم يتعاف في داخله…
يحن دوماً لأم تحتضنه…تحنو عليه لأنه وليدها..قرة عينها..لا طمعاً في الثواب…تطالعه بنظرة الحب.. لا نظرة الشفقة والعطف…هو لديه من المال ما يكفي.. لكن ماله لا يفي أبداً..ثمن أن يكون له أم!
ولاء صبري الدسوقي