أمير الغياب.. قصة قصيرة
أمير الغياب.. قصة قصيرة
مع كل إشراقة فجر تتحسس ذرات أنفاسه عبر قطرات الندى الغرة النقية.. مع كل إشراقة شمس تترقب رسالته لكنه لم يفعل ولن يفعل.. فتصنع من أنفاس الحنين مجدافًا لتعبر بحر الأشواق ووجع الإشتياق.
تسكن في حرم السكون وتحلق في سماء خيالها وذكرياتها معه.. وحروفه الخالدة لها التي دونها على صولجان قلبها المهزوم.. تسكن إلى الخيالات التي تدور بدواخلها ربما تقطف حفنة صبر جديدة كي تواصل بها الأيام الثقال.. منذ رحيله عنها..
كانت تشعر أنه دائما عصي اللقاء عليها لغيابه الدائم عنها.. فكانت تتمرد على هذا الفراق الغير المبرر، فتبتعد هي الأخرى وتهجر أكثر وأكثر كي يشعر بها، لكن عندما يعود تحلق في سمائها المبهجة من السعادة والدموع تترقرق في عينيها من شدة فرحتها بعودته التي لم تدم إلا سويعات.
كم أنهكها ذلك الحب والود المتقطع الذي سرعان ما يترك فؤادها يعتصر وروحها تجف وتئن من اشتياقها بعد أن كانت إعصار عشق تعزف ألحان وترانيم على قلوب العاشقين.
كم كان يمثل لها نبض شريان الحياة فهو وتين القلب.. صوته الممزوج بروعة الحنان والعطف كلماته التي لا تخلو من خفة دمه وظله.. حضوره المغلف بالأمان والحنان وكأنه الأب السند كثيرًا ما أخبرته بذلك ترى فيه العزوة والأمان.. حتى غيابه الذي طالما يزعجها كان ممزوجًا بروعة الحضور وعطر الزهور وشعاع الشمس مع لسعة نسيم الصباح.. فهو البعيد القريب.
كان يجيد العزف على أوتار قلبها الصغير فيهطل كالمطر ببساتين من الورد والياسمين والعطور.. وكأن القمر وقع بين كفيها، عطر ذرات أنفاسه تسكنها رغم بعد المسافات..تناديه بالروح يجيبها بالقلب.
لم تكن تعلم أنه اللقاء الأخير لو علمت لتركت يداها تعانق يداه بقدر الاشتياق وسنوات الفراق، ولم تعلم بحقيقة ذلك الغياب ولم تكن تعلم بمرضه إلا عندما علمت أنه فارق الحياة غفلة كما تسلل لقلبها غفلة، تركها مع كلماته الخالدة، مازالت تصول وتجول وتحيا بينها، صوته يسكن أوردتها مع كل إشراقة شمس وغروبها باتت العين لا تعرف سبيل للنوم وجف دمعها كالشمعة دمعة فوق دمعة حتى جفت وانطفأت، وضاعت عناوينها برحيله.. رحيل أمير الغياب ذلك البعيد القريب.
نهى عراقي