التصوف بين الشريعة والحقيقة

التصوف بين الشريعة والحقيقة

 

بقلم: صابر الجنزوري

التصوف يجمع بين الشريعة والحقيقة
فى قول الله سبحانه وتعالى
” إياك نعبد وإياك نستعين “
فإياك نعبد شريعة
وإياك نستعين حقيقة.؟!
التصوف ليس بدعة ولم يكن مدخلا وبابا خلفيا على الإطلاق لأعداء الإسلام لمهاجمة الإسلام ولم يغرق فى بحر الفلسفة الإغريقية، ولم يأخذ الجوهر من تصوف الزاردشتيه أو التصوف المسيحى، ولم يأخذ اسمه من كلمة الثيوصوفيا والتى تعني الحكمة والمعرفة، وليس هو الزهد والتقشف كما يختزله البعض فى كلمة الزهد.. وإنما الزهد مقاما من مقامات التصوف لمن يريد ويحب ويزهد فيما يملك وليس فيما لا يملك.

وإن كان التصوف ورجاله درسوا الحكمة والفلسفة والمعرفة ودرسوا خبرات السابقين من علم وفلسفة فهذا فخرا لهم ولعل ماسينون صاحب كتاب ألام الحلاج والمستشرق الفرنسى الذى أصدر مع الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق كتاب التصوف كان أصدق من كل أعداء التصوف من المسلمين أنفسهم عندما ذكر أن جابر بن حيان عالم الكيمياء كان اول من أطلق عليه كلمة الصوفي وأرجع منشأ التصوف لعصر النبي صلى الله عليه وسلم رغم أن كلمة الصوفية لم تكن عرفت فى زمن النبي ولكنها بدأت من مظاهر العبادات وحلقات العلم وتلاوة القرءان فى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ما أقره أيضا المستشرق رينيه جينو الذى أسلم بعد ذلك بسبب تبحره فى منهج التصوف وقرأ للجنيد والشبلى وبن عربي وجلال الدين الرومي، وقال أن التصوف هو الذى حافظ على الإسلام وشريعته من التحريف ومن المفاهيم المغلوطه بل أقول عن قناعة شخصية ومن دعاة التكفير فى الألفية الثالثة التى نعيشها ؟!

لأن التصوف كما يقول الإمام الأكبر د.عبد الحليم محمود لا يخرج عن الكتاب والسنة وما يتفق مع الشريعة وأما علم الحقيقة التى يختص بها الصوفي فهى تأتى من جهاد النفس والسهر والسهد ومحاولات القرب من الله حتى يصل الصوفي لدرجة من النقاء والصفاء فلا يكون فى قلبه وكيانه غير الله فلا تشغله دنيا ولا مال ولا سلطة ..

ولقد اتفق عالم الدين د.عبدالحليم
مع عالم الأدب والفكر الدكاترة زكي مبارك فى أصل الكلمة بأنها من كلمة الصوف والخرقة الصوفية ولم تأت من مسميات أخرى رغم آلاف الآراء التى قيلت فى هذا المعنى.

ولو تأملنا عنوان كتاب الدكاترة زكى مبارك التصوف فى الأدب والأخلاق لاختزلنا المعنى وقلنا أن التصوف أدب وأخلاق النبوة والدين.

ولو تأملنا عنوان كتاب الدكتور عبد الحليم محمود وهو : قضية التصوف – المنقذ من الضلال
لاكتفينا بذلك وقلنا أن التصوف منقذا من الضلال
للرد على أعداء التصوف من المتشددين من السلفية والإخوانية اللذين لا يعرفون إلا قشورا من بحر التصوف لأنهم اختزلوا التصوف فى احتفالات الطرق الصوفية فى موالد الأولياء وزيارات الأضرحة فقط ويعيبون عليها بل ويكفرون الناس أحيانا بسبب ذلك ؟!
فهل قرأوا للإمام أبا حامد الغزالى فى إحياء علوم الدين أو المنقذ من الضلال الذى تناوله د.عبدالحليم محمود بالدراسة ؟ وهل قرأوا جملة الغزالى الشافية والمانعة فى تهافت الفلاسفة وقال أن الفلاسفة تهافتوا على أفكار مضلة وأن الدين جاء وصحح مفاهيم الشطط والاختلال والاختلاف فى مسائل خلق الكون والمادة والوجود والعدم ..؟!

المجال هنا لا يتسع للحديث عن التصوف الحقيقي الذي لا يفهمه كل من به غلظة فى القلب والعقل فهؤلاء أعداء للدين وليس التصوف والصوفى والمتصوف ؟!
لأنهم اختذلوا معني التصوف فى الموالد
وتركوا أصل المعنى وجوهر الحقيقه
وحقيقه الشريعه ومنهج النبوة الحقيقى!
فالتصوف الحقيقي لا يخرج عن الكتاب والسنه
والصوفي بَحَّارٌ عَرفَ كيف يصارع أمواج وتيارات النفس ودواماتها ومدها وجذرها ولو غرق فى بحر لجي لبحث عن اللولؤ المكنون فى أعماق نفسه فيتخلص من الشوائب بصفاء قلبه ونقاء روحه وإعمال عقله ويصبح ذو صفاء وطهر لأنه شرب ماء الشريعة وارتوى بشهد الحقيقه..

لأن الشريعة فى تعريفها البسيط هي مجموعة الأحكام العملية التكليفية فيما يسمى بالفقه كالصلاة والزكاة والصيام والحج ..الخ

والحقيقة هى ما وراء هذه الأحكام من إشارات وأسرار مثل الخوف والرجاء واليقين وحسن الظن بالله ..الخ فالفقهاء يعلمون الناس أركان الصلاة وسننها والصوفية يهتمون بأعمال القلوب من المحبة والخشية..وهذا رأي المعتدلين من الجانبين أهل الفقه وأهل التصوف وفى كل جانب نجد هناك غلاة ومتشددين وإن كان اهل التصوف أقل تشددا وأكثر لينا!

وفى التصوف نجد من يخلطون بين التصوف والصوفي والمتصوف مثلما يخلطون بين ماء النهر وماء المطر وماء المحيط ثم ينكرون كل شئ ولا يعترفون بحال من وصلوا للولاية..
وما علموا ان قلوب هؤلاء تعلقت بربها ولم يبق فى القلب إلا هو فكشف لهم العالم وكشف لهم قلوب مريضه لم تعرف الله لأن هناك ذرة من كبر فيها .
ومازال الصوفي والمتصوف ينهل من نهر العلم الرباني ويقرأ كتاب التصوف حتي يصل لحقيقه الحقيقه فيجد في قلبه الله ، فيهيم عشقا ويرتفع درجات ودرجات حتى يرتدى ثوب الولاية.

ولكن الذين يفصلون بين الشريعة والحقيقة ويتنصلون من واحدة على حساب الأخرى
فذلك مما أتى به بعض منهم وكثيرا من اصحاب الشريعة الذين يقال عنهم أهل الظاهر فى حين يقال عن أهل الحقيقة اهل الباطن !

والتصوف والصوفى والمتصوف الحق هو من لم يفصل بين الشريعة والحقيقة وجعلهما متصلتان لا منفصلان فبالحقيقة تكتمل الشريعة..
والأصل أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك لذلك يقول أحد شيوخ الصوفية :

الشريعة حق والحقيقة حقيقتها والشريعة فى القيام بالأوامر والحقيقة شاهدة الأمر والشريعة والحقيقة يجمعهما كلمتان فى قوله سبحانه وتعالى ” إياك نعبد وإياك نستعين ” فإياك نعبد شريعة وإياك نستعين حقيقة! ويبقى أن التصوف ليس أوراد وأذكار وحضرة وموالد واحتفالات وتمايل المريدين فقط وإنما التصوف علم وعمل وشريعة وحقيقة متلازمتان وحالة من الصفاء النفسى المنقى من شوائب وأمراض القلوب فتصل به إلى سمو القلب والروح فلا كراهية ولا تعصب ولا صراع على الدنيا.

وأخيرا وليس آخرا فالتصوف منهج عملى كامل يجمع بين الجسد والروح ويحقق حالة السمو والرقي والسلام مع النفس والمجتمع بعيدا عن التشدد والمغالاة والكراهية والتعصب لذا نجد فى أيامنا هذه المليئة بالعنف والتعصب والكراهية أن يبحث الناس عن منهج عملى يحقق لهم السلام الداخلى ويحقق لهم السلام مع الأخرين ومحبة الآخر والسمو والرقى الإنساني الذى يحقق سمو الأخلاق ويقظة الضمير وتحرير العقل من قيود كثيرة عطلته عن التفكر والتأمل وتحصيل العلم والعلوم بكافة مجالاتها ..
إنه منهج القرب والصلح مع النفس ومع الله الذى يبحثون عنه بعيدا عن كل الصراعات وغرور الحياة.
وما بين إياك نعبد وإياك نستعين يكون اليقين
والحب والصفاء والعبادة والمدد الإلهي.

3 أراء حول “التصوف بين الشريعة والحقيقة

  1. تنبيه: سر السعادة
  2. تنبيه: قناع الزيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *