قلعة الجبل

قلعة الجبل

قلعة الجبل

بقلم د. أمل درويش.

هذه القلعة التي بنيت على سفح جبل يتصل بجبل المقطم، وتشرف على القاهرة والنيل والمقابر.
كان موضعها يُعرف بقبة الهواء.. حتى اختاره السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ليكون قلعةً وحصنا ضد الصليبيين وبقايا الفاطميين..
في عام ٥٧٢ هجرية

ويقول المقريزي عن قبة الهواء:
“ولما قدم أمير المؤمنين المأمون إلى مصر في سنة سبع عشرة ومائتين هجرية، جلس بقبة الهواء هذه، وكان بحضرته سعيد بن عفير، فقال المأمون: لعن الله فرعون حيث يقول: (أليس لي ملك مصر؟) فلو رأي العراق وخصبها!

فقال سعيد بن عفير: يا أمير المؤمنين لا تقل هذا، فإن الله عز وجل قال: ( ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون.).. سورة الأعراف آية ١٣٧
فما ظنك يا أمير المؤمنين بشيء دمره الله هذا بقيته!”
ونعود لقصة بناء القلعة والسبب في بنائها كما يقول المقريزي:
(ان السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب لما أزال الدولة الفاطمية من مصر، واستبد بالأمر، لم يتحول من دار الوزارة الفاطمية بالقاهرة، ولم يزل يخاف على نفسه من شيعة الخلفاء الفاطميين بمصر، ومن الملك العادل نور الدين محمود زنكي سلطان الشام رحمة الله عليه، فامتنع أولًا من نور الدين بأن سيّر أخاه الملك المعظم شمس الدولة توران شاه بن أيوب في سنة تسع وستين وخمسمائة هجرية إلى بلاد اليمن لتصير له مملكة تعصمه من نور الدين، فاستولى شمس الدولة على ممالك اليمن، ومات نور الدين في نفس العام، وأحب صلاح الدين أن يجعل لنفسه معقلًا في مصر..)

ويقال أنه علق قطعًا من اللحم في عدة مناطق بالقاهرة وكذلك فوق جبل المقطم فكانت آخرها فسادًا الموجودة على الجبل، فاختار هذا الموقع لنقاء جوه.

وبدأ في بنائها الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي، وبني سور القاهرة (سور مجرى العيون) الذي أراد له أن يحيط بالقلعة والقاهرة.
وهدم ما كان هناك من مساجد وأزال القبور وهدم الأهرامات الصغيرة المتعددة التي كانت متناثرة في الجيزة تجاه مصر ونقل ما بها من حجارة إلى المقطم لبناء السور والقلعة، ومات السلطان قبل أن يكتمل البناء ويقيم فيها.

وبعد موته توقف البناء حتى تولى الملك الكامل محمد إبن أخيه الملك العادل أبي بكر بن أيوب فأتم البناء سنة ٦٠٤ وظل مقيمًا بها حتى موته.

بئر القلعة:
يقول المقريزي:
(قال ابن عبدالظاهر: هذه البئر من عجائب الأبنية تدور البقر من أعلاها فتنقل الماء من نقالة في وسطها، وتدور أبقار في وسطها وتنقل الماء من أسفلها، ولها طريق إلى الماء ينزل البقر إلى معينها في مجاز وجميع ذلك حجر منحوت ليس فيه بناء، وقيل ان أرضها مسامته أرض الفيل، وماؤها عذب، سمعت من يحكي من المشايخ أنها لما نقرت جاء ماؤها حلوًا، فأراد قراقوش أو نوابه الزيادة في مائها، فوسع نقر الجبل فخرجت منه عين مالحة غيرت حلاوته.
وذكر القاضي ناصر الدين شافع بن علي في كتابه “عجائب البيان” أنه ينزل إلى هذه البئر بدرج نحو ثلاثمائة درجة.)

 


وتعد القلعة ثامن موضع لحكم مصر، وظلت كذلك طوال عصر الدولة الأيوبية ثم المماليك وحتى ولي مصر محمد علي وظلت أسرته تحكم منها حتى انتقل الحكم في ستينيات القرن الماضي إلى قصر عابدين في القاهرة.
وقد قام محمد علي باشا بعمل تجديدات واسعة في القلعة وبني فيها عدة قصور وبنى مسجده الذي يعد تحفة معمارية إسلامية رائعة.

ولا يمكن لأحد أن يذكر قلعة صلاح الدين ويغفل عن قصة مذبحة القلعة الشهيرة التي دبرها محمد علي باشا في الأول من مارس عام ١٨١١ م. للتخلص من المماليك بعدما تجمعوا محاولين خلعه طوال فترة حكمه الأولى.

ويقول في ذلك عبدالرحمن الرافعي:
(إذا ذهبت يومًا إلى قلعة صلاح الدين لتتعرف ما تشتمل عليه من المواقع والمباني والآثار فقف قليلًا تحت منارة جامع السلطان حسن، واتجه بنظرك إلى القلعة تجدها ماثلة أمامك، بموقعها المنيع، وأسوارها العالية وأبراجها الشاهقة وأبوابها الضخمة وأول ما يلفت نظرك قباب جامع محمد علي ومآذنه الهيفاء البديعة الصنع التي تداعب السحاب في علوها، فإذا رجعت الطرف في هذا المنظر فدعه جانبًا، لأنه لم يكن موجودًا بتمامه في العصر الذي نكتب عنه، إذ لم يكن محمد علي باشا قد بنى جامعه إلى هذه السنة ١٨١١ م
وانظر أمامك تجد بابا ضخما غائرًا في الجبل تعلوه أبراج قديمة، هذا الباب هو المسمى باب العزب، وهو باب القلعة من الجهة الغربية ويقع على الميدان المسمى الآن ميدان صلاح الدين وكان يسمى في ذلك العهد ميدان الرميلة.

فإذا دخلت هذا الباب تجد طريقًا وعرًا متعرجا منحوتا في الصخر تسير فيه صعدًا بالجهد والعناء إلى رحبة القلعة، وتصل من هذه إلى جامع محمد علي ثم إلى قصره.)

وبالطبع يتحدث الكاتب عن مشقة المرور من هذا الباب، فهو الباب الذي أُدخل من خلاله أربعمائة فارس من المماليك بعد احتفال محمد علي بتتويج ابنه أحمد طوسون باشا لقيادة جيش متجه إلى الحجاز للقضاء على حركة محمد بن عبدالوهاب هناك، وحين دخل المماليك من هذا الباب أُغلق عليهم ورُشقوا بالرصاص جميعًا ما عدا أمين بك الذي كان في مؤخرة الصفوف ولاحظ الرصاص فلم يجد مجالًا للهروب سوى الصعود أعلى القلعة والقفز بجواده من على السور، وقبل ارتطام الجواد بالأرض قفز عنه الفارس وهرب إلى الصحراء ومنها إلى جنوب سورية..

المراجع: كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية.. الجزء الثالث.
تأليف: تقي الدين أحمد بن علي المقريزي.
كتاب عصر محمد علي
الجزء الثالث.
تأليف: عبدالرحمن الرافعي.

قلعة الجبل
قلعة الجبل

3 أراء حول “قلعة الجبل

  1. تنبيه: عشقت قمرا
  2. تنبيه: برة الدنيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *