سمات الرحلة الدينية في سردية “شدو لا رين
سمات الرحلة الدينية في سردية “شدو لا رين “ا
الأستاذة الدكتورة : فتحية الفرارجي
بقلم: د. نجلاء نصير
يعد أدب الرحلة من الفنون التي لا تخضع لمعايير الأجناس الأدبية، وهذا ما جعل بول هازار يعده “أدبًا غير واضح الملامح “، و يعرفه مجدي وهبة بأنه “مجموعة الآثار الأدبية التي تتناول انطباعات المؤلفين رحلاته في بلاد مختلفة وقد يتعرض فيها لوصف ما يراه من عادات وسلوكيات وأحلام ولتسجيل دقيق للمناظر الطبيعية التي يشاهدها أو يسرد مراحل رحلته مرحلة أو يجمع بين كل هذا في آن واحد”
العتبات
وتجلت الروحانية والصوفية في الغلاف، جاء الغلاف من تصميم: أمجد الشامي ويعد الغلاف العتبة الأولى التي تقع عليها عين المتلقي فالغلاف جاء باللون الأزرق وهذا اللون يرمز نفسيًا للهدوء والسكينة للبعض ،ويرمز للحزن والعزلة أحيانا لو أخذنا بعين الاعتبار لوحات بيكاسو المثقلة باللون الأزرق والتي رسمها في “المرحلة الزرقاء “والتي كانت توحي رسوماته فيها بالحزن والعزلة .
جريدة مصر جايه
جاء العنوان “شدو لارين ” في أعلى الدفة الأولى بفونت كبير لجذب الانتباه باللون الأبيض الذي تخللته بعض من زرقة الغلاف وتم تجنيس السردية تحت العنوان بخط صغير على يمين العنوان برواية ثم ذُيل العنوان بجملة “حين تصبح الأحلام جزءًا من الواقع.
فهذا السطر بمثابة مفتاح ترسل به الكاتبة للمتلقي ليدرك أنه بصدد عمل يجمع بين الواقع والخيال
وعلى يسار الدفة بروفايل فتاة على شكل شادو تغمض عينيها في رمزية للتأمل ويتخلل رأسها تجليات صوفية نورانية من خلال رقصة العشق الإلهي المتمثلة في المولوية وهي أحد الطرق الصوفية السنية مؤسسها الشيخ جلال الدين الرومي.
لا رين: مفتاح باب الكعبة
وعلى الدفة الثانية مقطع من السردية “بعد ما سرق البحر كنزها وصندوقها بكل ما يحمله من نبضات الحب لم يعد للكلمات صوت.. “من عتبة انقطاع الحبل السري للذكريات ص 27
ويعد هذا المقطع إشارة للمتلقي أنك بصدد أحداث رومانسية قد ضفرتها الكاتبة في السردية.
فضلًا عن ذلك جاءت السردية في أربعة فصول ولكل فصل عدة عتبات
الفصل الأول: إنه المايسترو الالكتروني.. إنه الحلم الافتراضي
الفصل الثاني: بصمة قلب
الفصل الثالث: جزوع حورية الماضي
الفصل الرابع: تشكا دار السلام
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بمَ شدت لا رين ؟ فالشدو: صوت المغني المرنم ، فبم ترنمت لا رين ؟
2- الإهداء
” إلى ابتسامتك التي تشرق.. وتستمد منها كلماتي طاقة النور … إليك يا أبي سيد الكلمات حيث أنت “
فالإهداء به لمسة وفاء وحب وعرفان للأب واعتراف بدوره الهام في حياة الأسرة والأبناء وهنا يتقابل مع شخصية والد البطلة “عجيب ” الذي كان غليظ القلب، يتعامل بالشدة مع ابنته.
جاءت محتويات السردية بعد الإهداء في مقدمة المتن
البنية الداخلية لشخصية الراوي العليم
روح وتعد شخصية متنامية على مستوى البناء السردي للرحلة كما تتمتع بالروحانية فالكاتبة نجحت في نحت شخصية البطلة التي تتماهى مع اسمها في ص: 44 رأت سيد المرسلين تقول ” أنا حلمت بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم مكة بكة …”
يؤخذ على الكاتبة استخدامها الفعل الماض “حلمت “كان الأفضل “رأيتُ” جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من رآني في المنام، فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي”
وهنا تجلت العر فانية والروحانية في رؤية الحبيب المصطفى وتعلق قلب روح بزيارة بيت الله الحرام وحوارها مع الجدة عن جارتهم الحاجة زينب التي سافرت وحجت بجنيه ص 44
” إنها قلوب أخذها الشوق واللهفة، لهفة لا يعرفها حتى قلوب عشق البشر.. وطافت بالبيت.. وشهدت نور الأنوار الرسول المختار صلى الله عليه وسلم ..إنه العشق وتروى قلوب العاشقين حب أبدي خالص لله رب العالمين ” ص 45
وصف الرحلة
وتسرد الكاتبة للمتلقي مسيرة الحجاج الأوائل التي كانت بين الجبال وعلى ظهور الإبل والجمال …” ص 47
وفي الفصل الثاني “بصمة قلب ” ص 52
وفي حوار عجيب مع والدته يؤكد تعلق قلب روح بالكعبة ” كل سنة تروح تقدم ومنتظرة من عشر سنوات.” استيقظت روح على رسالة تؤكد فوزها بقرعة الحج يتقطع صوتها من البكاء وفي حوارها مع والدتها لاستخراج جواز السفر عن بصمة القلب لا بصمة العين ص 53: هنا تتجلى النورانية والشفافية والروحانية فقد سبق الخبر رؤيا للحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه .
وفي حوارها مع صديقتها تبيان التي سبق لها الحج لتعرف منها ماذا تعد لسفرها ؟
طرحت قضايا اجتماعية متعددة ص 60
منها:
مشكلة صديقتهم نسيمة “زوجها نائل حقيقي لا يستحقها. بخيل وبكره الكتب والورق …”
وتناقشا في ظاهرة الانتحار من خلال طلب تبيان من روح ألا تنسى أم سميح من الدعاء، ابنها انتحر من برج القاهرة.. طالب في الهندسة ..لم يعد هناك تعليم
وعللت روح سبب انتحار الشباب “لم يعد لديهم فهم ديني حقيقي للحياة وقيمتها.. الأسبوع الماضي طالبة في كلية الصيدلة ألقت نفسها في مياه النيل، وأمس طالب من القطار والخطأ الطبي الذي تسبب في وفاة شابة في ريعان الشباب ..” ص63
-كما ناقشت الكاتبة مشكلة التعليم والدروس الخصوصية ص 64،مأساة الشباب المقبل على الزواج والشبكة وغلاء الأسعار ، فساد المنظومة الطبية و من خلال شخصية أم سويدان وبحثها عن صفائح دموية لابنها والتكلفة الباهظة التي تكبدتها حتى أنها باعت بيتها ؛لكن المفارقة الدرامية تكمن في موت ابنها بفصيلة دم خطأ ص 67 ،أزمة المظهر الخارجي للبنات في الحرم الجامعي على لسان تبيان ص 68″ والبنات ياروح بين تغطية الشعر وبين البناطيل الملتصقة على جسمهم …” فمن المسؤول عن التناقض المجتمعي في الحرم الجامعي بين الالتزام والاستهتار تحت مسمى الحرية ،وفي تجربة روح بالمحاضرة بكلية الحاسبات حين قالت للشباب :من سيتحدث إلى الورقة عن نفسه ؟ ص 68 وتعدد ردود أفعال الطلاب فمنهم من مزق الورقة ومنهم من تحدث عن غربته المكانية بين أسرته ..
وفي عتبة الحياة عن بعد ص 72
تسرد رحلتها إلى باريس وملامح الغربة “ما بين التصاق باريس بماضيها والتحامه مع حاضرها
ثم تأخذنا في رحلة روحانية والتحضير لرحلة الحج من خلال حوارها مع صديقتها تبيان ص 73 وما بعدها فالساردة لم تترك شاردة ولا واردة إلا وذكرتها عن مستلزمات الاحرام والتحضيرات ،فقد ضفرت فقه المرأة في الأحداث ،وفي وصف الرحلة من المطار ووصف للحجاج “ وتجلى ذلك في عتبة ميداليات الفوز
وفي عتبة خطوات للوصول لمحبوبة القلب ص 83 تسرد لنا فسيفساء مشهد نزول الحجاج من الطائرة
وفي أسرار الحمام ص 91 وصف لحمام الحمى
وفي ص 95 تصف لنا الكعبة وأثر النظرة الأولى النفسي وفي لوحة شدو التلبية وروحانيات الطواف تسرد بروحانيات تقرب المتلقي من المشهد وكأنه معها يؤدي المناسك
وفي ص 117 عتبة روح : زفة تأخذنا معها من خلال الجدة في نوستالجيا لزفة المحمل من مصر و التي كانت عيدًا ص 117 ،ص 118:
من خلال تيار الوعي استطاعت الكاتبة أن ترتد بالمتلقي إلى كالإسكندرية والتشوه المعماري الذي أصابها وتجلى ذلك في الفصل الثالث :جذوع حورية الماضي ص 182
كانت روح تحب التقاط الصور للعمارات الأثرية القديمة بالإسكندرية … وفي يوم من الأيام كانت تتألم لهدم العمارة المجاورة لها والمطلة على ترام الإبراهيمية وكانت روح تطلق عليها حورية المكان …”
ص 183 “مشهد تشييع جثمان هذا المبنى العريق الشاهق.. “
وفي رحلة بحثها عن جبل أحد ص 184ص 186 ” انجذبت روح لجمال المكان وظلت تسير وتسير حتى وجدت نفسها في صحراء …” ثم تجد من ينقذها من ظلمات الصحراء ص 190 “هل أنتِ في انتظار أحد؟ فارتعد جسدها من تلك العيون الزرقاء والوجه شديد البياض ..
هو /أنا جارودي روجيه ،أقصد رجاء ..دخل الإسلام قلبي وعدت كما ولدتني أمي .. ص:191 192، 193
وجدير بالذكر أن الكاتبة رصدت سلوكيات بعض الحجاج فالنص يحفل بفسيفساء ثيوغرافيا فوصفت الأكلات الخاصة والملابس والعادات والتقاليد والأماكن التي صادفتها في رحلتها من السعودية للمغرب مع زوجها جارودي الذي أسلم فحسن إسلامه وضرب مثلا لرجل يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في حسن معاملة المرأة وتصحيح مفهوم القوامة ،وإن كانت الرواية قد بدأت بروح الفتاة الحالمة التي صدمت في أشباه الرجال ،فقد انتهت بالزواج في سن الأربعين فرمزية الرقم 40 هو سن النضج فقد نزل الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في سن الأربعين
وجدير بالذكر أن أسلوب الوصف يصور لنا تأثير الكاتب بعالم جديد لم يألفه ويرصد الانطباعات التي تتركها في نفسه ؛فتجلت الوصفية في مشاهد الرحلة السياحية الدينية من خلال رسمها للوحة جمعت فسيفساء وتفاصيل المكان من الفصل الثاني إلى الفصل الرابع فالمتلقي سيبحر مع الكاتبة في رحلة روحانية ضفرت فيها مناسك الحج بأدق تفاصيلها وكأن المتلقي يحج معها بروحه ،كما رصدت العادات والتقاليد المجتمعية في مطروح والإسكندرية والسعودية و المغرب .