إيفيلين بوريه.. ملهمة الأطفال والمبدعين
إيفيلين بوريه.. ملهمة الأطفال والمبدعين
بقلم د. أمل درويش
“إن المدرسة تتسبب في ضياع الأفكار الجميلة من عقول الأطفال”
هكذا كانت رؤيتها ونظرتها للأطفال، حيث أدركت مواهبهم الفطرية وآمنت بها وعملت على صقلها ودعمها بالتعليم والخبرة.
إنها الفنانة السويسرية المنشأ المصرية الهوى والعاشقة لفن الخزف والفخار إيفيلن بوريه.
بعد زيارتها الأولى لمصر قبل أكثر من أربعين عامًا مع والدها القس السويسري عشقت مصر وعادت إليها مرة أخرى لتستقر في قرية تونس بمحافظة الفيوم.
هذه القرية الصغيرة التي نالت شهرة واسعة بعد تأسيس السيدة إيفيلن لمدرسة الفخار وتعليم أهل القرية إنتاج الخزف على الطراز الفاطمي الإسلامي، والاهتمام بالأطفال خاصة وتدريبهم على إنتاج تحف فنية؛ فالطفل يمتلك موهبة فطرية، وكان الأطفال في القرى قبل اختراع الألعاب الإلكترونية لا يجدون حولهم سوى الطين يخلطون الماء بالتراب ليحصلوا على هذه الكتلة من الطين القابلة للتشكل بين أناملهم الرقيقة فيصنعون العرائس والأثاث ويقومون بعمل تجسيد للحياة اليومية بصورة مصغرة فتكون مبعث اللهو والتسلية لديهم بينما ينسجون بخيالاتهم القصص والحكايات.
وقد أدركت مدام إيفيلين هذه المهارات عند الأطفال، خاصةً أن قرية تونس كانت ما زالت بكرًا لم تعرف حياة المدنية ولم تصلها الكهرباء ولا الماء.
وبدأ جميع سكان القرية يهتمون بصناعة الفخار والخزف، ونالت القرية شهرة واسعة وأسست معرضًا سنويًا يقام في القرية لعرض منتجاتهم يأتيه الزوار من جميع أنحاء مصر ومن خارجها، إضافة إلى عدة منافذ في محافظات أخرى لعرض منتجاتهم التي نالت رواجًا وأصبحت تصدر خارج مصر.
وقد تعلمت الفنانة إيفيلين اللغة العربية واللهجة المصرية حتى أصبحت تتحدث بلهجة أهل قرية تونس وصارت واحدة منهم وأصبحت علامة مميزة للقرية وأمًا لكل أهلها.
وكان الجميع ينادونها بـ أم أنجلو بعد ولادتها لإبنها أنجلو، وقد حصلت على الجنسية المصرية بعد ثورة يناير، وتحقق حلمها، وكانت أمنيتها أن تدفن في هذه القرية بعدما قضت فيها أجمل سنوات عمرها.
وقد رحلت أم أنجلو بالأمس تاركة في قلوب كل من عرفها غصة، وحملها أحباؤها تحفها دعواتهم ودعوات كل أهل قرية تونس إلى مثواها الأخير.
فهل ننتبه لما انتبهت إليه الفنانة إيفيلين بوريه قبل حوالي نصف قرن ونبحث في أعماق أطفالنا عن مواهبهم وننميها ونصقلها ونجعل لهم حصصًا خاصة بتنمية المواهب من خلال اليوم الدراسي؟
ربما تكون هذه الحصص مقررة بالفعل ولكنها غائبة عن التطبيق ولا تلقى أي دعم؛ فيذهب التلميذ الصغير إلى مدرسته متراخيًا يتمنى انقضاء اليوم ويحلم بموعد العودة لبيته في نهاية اليوم ليتجمد على كرسيه أمام ألعابه الالكترونية البائسة.
رأيان حول “إيفيلين بوريه.. ملهمة الأطفال والمبدعين”