ذكرى الإسراء والمعراج

ذكرى الإسراء والمعراج
ذكرى الإسراء والمعراج إعداد أ.د/فاطمة جابر السيد يوسف

ذكرى الإسراء والمعراج
إعداد أ.د/فاطمة جابر السيد يوسف

أستاذالفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بني سويف جامعة الأزهر الشريف

الإسراء لغة: من السرى وهو: سير الليل أو عامته. وقيل: سير الليل كله ، ويقال: سريت، وأسريت ، والإسراء إذا أطلق في الشرع يراد به: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدس بإيليا ورجوعه من ليلته.
أما المعراج لغة فهو على وزن مفعال مشتق من العروج وهي آلة العروج التي يعرج فيها ويصعد، يشمل السلم ويشتمل الدرجة ، والمعراج إذا أطلق في الشرع يراد به : العروج برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا من بيت المقدس إلى السماء، والآلة التي عرج عليها -عليه الصلاة والسلام- هي بمنزلة السلم، ولا يعلم كيف هو؟ لا يعلم كيفية هذه الآلة وحكمه حكم غيره من الغيبيات نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته.

ولا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه سبحانه على جميع خلقه، والإسراء آية عظيمة أيد الله بها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة حيث أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكبا على البراق بصحبة جبريل عليه السلام حتى وصل بيت المقدس، فربط البراق بحلقة باب المسجد، ثم دخل المسجد وصلى فيه بالأنبياء إماما، ثم عرج جبريل عليه السلام بالنبي (صلى الله عليه وسلم) إلى السموات العُلا سماءً سماءً حتى وصل إلى السماء السابعة ثم صعد إلى سدرة المنتهى ، ورأى البيت المعمور ، ثم صعد فوق السماء السابعة وكلم الله سبحانه وتعالى وفرض على أمته خمسين صلاة فلم يذل سيدنا محمد يراجعه ويسأله التخفيف حتى جعلها خمس فهي خمس في الفرض خمسون في الأجر ، واطلع أيضاً على الجنة والنار ، وكانت هذه الرحلة يقظة لا مناماً لأن قريشا أكبرته وأنكرته، ولو كان مناماً لم تنكره لأنها لا تنكر المنامات ، قال الطحاوي رحمه الله: “وَالْمِعْرَاجُ حَقٌّ، وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنِّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَعُرَجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللهُ مِنَ الْعُلاَ، وَأَكْرَمَهُ اللهُ بِمَا شَاءَ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى، مَا كَذبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، فَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى” .

ولقد استعظمت قريش دعوى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت القوافل تمضي الأسابيع في الذهاب إلى بيت المقدس والعودة منها، فكيف يتسنى لرجل أن يمضي ويعود في جزء من ليلة! ذلك أمر عجيب، وهو حقاً عجيب، ولكن العجب يتلاشى إذا علمنا أنَّ الذي أسرى به هو الله تعالى، والله على كلّ شيء قدير ، وقد أرانا الله في هذه الأيام الوسائل التي تنقل الناس فوق ظهر هذه الأرض من مكان إلى مكان بسرعة هائلة، كان يعدها الناس قديماً ضرباً من الخيال.

وقد سجل القرآن حادث الإسراء في سورة عرفت بإسمه تستفتح بالقول الكريم : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة الإسراء آية رقم 1.
وتذكر كتب السيرة أن رسول الله التقى ليلة الإسراء بعدد من الأنبياء وخاصة أصحاب الرسالات الكبرى ومنهم سيدنا موسى عليه السلام ، وفي هذا تقول سورة السجدة حسب رأي المفسريين: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} سورة السجدة آية رقم 23، وهذا يعني – قياسًا- أن يلتقي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين بكل من أوتي كتابًا من الأنبياء والمرسلين ومنهم سيدنا إبراهيم وسيدنا داود وسيدنا عيسى عليهم السلام، وهنا نذكر ميثاق الله مع النبيين في عالم الحقيقة: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ، فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) سورة آل عمران آية رقم 81-83 .

هذا عن حادث الإسراء، وأما حادث المعراج فقد سجلته سورة النجم في قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} سورة النجم آية رقم 13-18 .

إن الله -جلت حكمته- أراد أن يخفف من أحزان الرسول، ومعاناته بسبب تكذيب قومه إياه وإيذائه ومن اتبعه من المسلمين وما تعرضوا له من حرب نفسية واقتصادية وعذاب بدني، فكان الإسراء والمعراج حتى ترتفع نفسية الرسول صلى الله عليه وسلم فوق تلك المحن والآلام، ومن ثم يستطيع أن يرفع معنويات أتباعه ويبث في أنفسهم الطمأنينية والثقة في خير العاقبة.

كانت ليلة جبر الله فيها خاطر النبي (صلى الله عليه وسلم) جاءت لتبين لهم أن الآفاق مفتوحة أمام الدعوة الإسلامية وأن الله سينصر نبيه ويؤانسه ويعوضه بعد ما نالت قريش منه بعد عام الحزن وهو العام الذي توفيت فيه السيدة خديجة بنت خويلد زوجة النبي (صلى الله عليه وسلم) وعمه أبو طالب أكثر الأشخاص مناصرة ومساندة للنبي (صلى الله عليه وسلم) أثناء دعوته إلى إلإسلام والتوحيد لذلك سمي بعام الحزن فدعا النبي (صلى الله عليه وسلم) بدعاء جبر الله به خاطره فقال ” اللَّهُمَّ إِلَيْك أَشْكُو ضعف قوتي وَقلة حيلتي وهواني على النَّاس أَنْت رب الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنت رَبِّي إِلَى من تَكِلنِي إِلَى بعيد يتجهمني أَو إِلَى عَدو ملكته أَمْرِي إِن لم يكن بك غضب على فَلَا أُبَالِي غير أَن عافيتك أوسع لي أعوذ بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ الظُّلُمَات وَصلح عَلَيْهِ أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَن يحل على غضبك أَو ينزل بِي سخطك لَك الْعُتْبِي حَتَّى ترْضى وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك”
مناجاة تنفس فيها النبي(صلى الله عليه وسلم) أنفاس العافية كأنها تحمل أثقالاً من الهموم التي ألمت به ، وكان الإسراء والمعراج تعليمًا للرسول وإطلاعًا له على الملكوت حتى ينبئ عن عوالم الغيب بحديث اليقين ، فالمسلم ملتزم بالإيمان بمعجزة الإسراء والمعراج لكونها مسجلة في القرآن على هذا النحو البين .

وهناك دروس مستفادة وفوائد عظيمة من رحلة الإسراء والمعراج منها :
ــ إثبات نبوة النبي (صلى الله عليه وسلم) وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين حيث إمامته للأنبياء والصلاة بهم .
ــ تقديس ورفع مكانة المسجد الأقصى .
ــ نقطة تحول في طريق الدعوة إلى الله .
ـــ دعم نفسي للنبي (صلى الله عليه وسلم) بعد وفاة زوجته خديجه وعمه أبو طالب .
ـــ جزاء صبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وثباته على الكفار .
ــ صلابة أبو بكر رضي الله عنه وثقته في قائده فقد دعمه وصدقه حينما كذب بقصته أهل مكة .
ـــ كانت اختباراً لصبر المؤمنين وصدقهم في اتباعهم للدعوة الإسلامية .
ـــ أثبتت أن كل الأنبياء يعبدون الله عزوجل وهم إخوة ودينهم واحد .
ـــ حسن الظن بالله .

ذكرى الإسراء والمعراج

ذكرى الإسراء والمعراج
ذكرى الإسراء والمعراج إعداد أ.د/فاطمة جابر السيد يوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *