تلك الأيام
تلك الأيام.. ولعلني لا أغالي..إذا قلت أن أبي…رحمه الله..لربما قصر في الوفاء ببعض الحاجيات…التي ينقلها من بند الضروريات إلى بند الكماليات…عدا المواظبة على شراء جريدة الأهرام…فلقد أحبها حد التقديس…
وكثيراً ما كان يقرؤني…مقالات العمالقة… أنيس منصور وسناء البيسي ونعمات أحمد فؤاد ..ويبثني أمنياته…ٱهٍ لو أصبح مثل نعمات أحمد فؤاد…فهي ٱية في العلم والفصاحة والبيان…
وكنت أقف مشدوهة…في البداية…ولا أعي شيئاً مما يكتبه هؤلاء…بل كنت لا أستطيع قراءة كلمة “بقلم” ولا أفهم ماذا تعني
ولكن ما إن تدرجت في سنوات التعليم الابتدائي…حتى حررت مجلة بعنوان “حياة البشر”..وكتبت مقالاً أهاجم صدام حسين.. لغزو الكويت ….فهو على حد قولي “يخشى الأمريكان ولا يخشى الله”
ولقد غضب أبي مني…فقد كان يحبه جداً
كما بايعت السادات وأيدت اتفاقية كامب ديفيد…وناصرت نظام مبارك…وقلت لم لا أبرز الإيجابيات؟!…
فلست أطمع في الوزارة على أية حال…وأنا في الصف الرابع الابتدائي…ولكني تحملت جزاء ذلك … فرمتني معلمة الأنشطة بالنفاق…
وتحملت التهمة…بغير مفاجأة…. فكل الأنظمة العربية…يزيد معارضوها عن مؤيديها…
لكني تراجعت عن إظهار المقال..فيما بعد..إيثاراً للسلامة…
وطمعاً في رضاء المعلمة ذات الوجه البشوش…
ثم ما لبث العقل الصغير…أن رسم خطة… أو تمنى على الأقدار أمنية…أن يصبح كاتباً..عندما يبلغ سن الشباب…
ثم عصفت بالأوراق رياح الحياة…ونسيتني ونسيت أمنياتي..في زحام الحياة…لكن الأقدار لم تنس..وذكرتني بالحلم القديم…ثم ما لبثت أن لبته لي…
وصار اسم الطفلة الصغيرة…يجاور كلمة “بقلم” التي لم أكن أعيها…وودت أكثر ما وددت…أن لو طالع أبي مقالاً لي في الجريدة…لكن…الحياة…تجود ببعض ما نشتهي لا كله…
وإن الصورة لا تكتمل أبداً..ولابد من جزء يعتريه النقص…ليذكرنا دوماً…بأن السعادة الحقة..في جنات النعيم…ألا فلترقد روح أبي بسلام ..فلولا فضله..ولست أنكره…ما قرأت شيئاً ولاخططت حرفاً على الإطلاق!
ولاء صبري الدسوقي