بين أندلس الحب وطيور الحمام تفسير وجداني لقصيدة “يطير الحمام”
“يطير الحمام” قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش، من الأعمال الشهيرة التي أبدعها درويش. القصيدة تتناول موضوع الحب والشوق بشكل عاطفي وجمالي، وتعبّر عن الأحاسيس والمشاعر العميقة.
في القصيدة، يُستخدم رمز الحمام للتعبير عن الحب والرغبة في الاستراحة والسكينة. الشاعر يشبه نفسه وحبيبه لأصوات يطير ويحط الحمام، مما يُظهر تلاحمهما وتآلفهما. يُبرز الشاعر الشوق المشترك بينه وبين حبيبه، وكيف أن حضور الحبيب يمنحه راحة وسكينة.
مصر جايه
أنا وحبيبيَ صوتان في شَفةٍ واحدهْ
أنا لحبيبي أنا. وحبيبي لنجمته الشاردهْ
وندخل في الحُلْمِ، لكنّهُ يَتَبَاطَأُ كي لا نراهُ
وحين ينامُ حبيبيَ أصحو لكي أحرس الحُلْمَ مما يراهُ
وأطردُ عنه الليالي التي عبرتْ قبل أن نلتقي
وأختارُ أيّامنا بيديّ
كما اختار لي وردة المائدة
القصيدة تعكس تفاصيل دقيقة للعواطف واللحظات الرومانسية، حيث يتناوب الشاعر في تصوير المشاهد والمشاعر بأسلوب جميل ورمزي. يتحدث عن اللحظات التي يشاركها مع حبيبه، وكيف يسعى للحفاظ على أحلامهما وتواصلهما من خلال الحلم.
تعبيرات الشاعر تُظهر قوة العلاقة والشغف الذي يملؤوه، ويعطي تصوّرًا لعالم الحب والانسجام العاطفي. يستخدم الشاعر اللغة بشكل جميل لنقل مشاعره وأفكاره، ويجمع بين الرموز والصور لإيصال الأحاسيس بطريقة فنية.
تستمر القصيدة في استكمال روح الحب والشوق التي بدأها الشاعر في الجزء الأول، حيث يعبر عن عمق مشاعره واشتياقه لحبيبته.
فَنَمْ يا حبيبي
ليصعد صوتُ البحار إلى ركبتيّ
وَنَمْ يا حبيبي
لأهبط فيك وأُنقذَ حُلْمَكَ من شوكةٍ حاسدهْ
وَنَمْ يا حبيبي
عليكَ ضفائر شعري، عليك السلامُ
يطيرُ الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
رأيتُ على البحر إبريلَ
قلتُ: نسيت انتباه يديكِ
نسيتِ التراتيلَ فوق جروحي
فَكَمْ مَرّةً تستطيعين أن تُولَدي في منامي
وَكَمْ مَرّةً تستطيعين أن تقتليني لأصْرُخَ: إني أحبّكِ
كي تستريحي؟
أناديكِ قبل الكلامِ
يعبر الشاعر عن مدى شوقه وحاجته الملحة لحبيبته، وكيف أن حبه لها يؤثر على حياته بشكل قوي ويجعله يعيش في حالة من الحماس والتوتر. يستخدم الشاعر صورًا قوية ومشاهد ملموسة لنقل مشاعره، مثل استشعاره للألم والجروح، والاضطراب الذي يحدثه الحب في عالمه الداخلي.
القصيدة تعبر أيضًا عن الشوق والانتظار المتبادل بين الحبيبين، حيث يشعر الشاعر بحاجته الملحة للحبيبة وبالمقابل تشعر الحبيبة بحاجتها له. يستخدم الشاعر صورًا للطرقات والمشاهد الطبيعية للتعبير عن هذه الشوق المشترك.
يبني محمود درويش تجربة شعرية مميزة تتناول الحب بكل تعقيداته وأبعاده، وتظهر قوته وتأثيره على الإنسان وكيف يؤثر في حياته وتصرفاته.
وينهي درويش قصيدته الرائعة:
ونام القمرْ
على خاتم ينكسرْ
وطار الحمامُ
رأيتُ على الجسر أندلُس الحب والحاسّة السادسهْ
على دمعةٍ يائسهْ
أعادتْ له قلبَهْ
وقالت: يكلفني الحبّ ما لا أُحبّ
يكلفني حُبّهُ
ونام القمرْ
على خاتم ينكسرْ
وطار الحمامُ
وحطّ على الجسر والعاشِقْينِ الظلامُ
يطير الحمامُ
هذا هو الجزء الأخير من قصيدة “يطير الحمام” لمحمود درويش. يأتي بعد الأجزاء السابقة ويختتم القصيدة بشكل رمزي وجميل.
الشاعر يصف مشهدًا للقمر وهو ينام على خاتم ينكسر، مما يرمز إلى انقضاء وقت الحب والرومانسية. هذه الصورة تعكس انقضاء اللحظات الجميلة والمؤقتة، وكيف يمكن للزمن أن يؤثر على الأشياء ويجعلها تنتهي.
بعد ذلك، يأتي وصف لحمام يحلق ويهبط على الجسر حيث يكون الظلام حاضرًا، وهذا الوصف يكمل الصورة الرمزية التي بدأها الشاعر في الأجزاء السابقة من القصيدة. الحمام هنا يمثل الحب والرومانسية التي تتجاوز حدود الزمان والمكان، وتحمل في طياتها الأمل والتواصل.
تختتم القصيدة بهذه الصورة الجميلة للحمام يطير ويحط على الجسر، مما يعطي إحساسًا بالاستمرارية والتجدد في الحب والرومانسية على الرغم من تغير الزمان والظروف. هذه القصيدة بأكملها تعكس عمق الشوق والحب والعواطف التي يمكن أن يحملها الإنسان ويعبر عنها من خلال الشعر.
بهذه القصيدة، يعبّر محمود درويش عن قدرته الفريدة على تجسيد العواطف والأفكار من خلال كلماته. تظهر مدى اندماجه مع الموضوع وتفاعله معه بأسلوب شعري يعكس عمق الإحساس والإبداع.
الناقد خالد محمود