أهل الحارة
أهل الحارة
ولاء صبري الدسوقي
أهل الحارة.. لم أعشق شيئاً في حياتي…قدر ما عشقت ….السير في الحارات والأزقة والمناطق الشعبية..
فمعظم قاطنيها …يمثلون انعكاساً حقيقياً لبيئتهم..لم تطغ عليهم الحداثة….بل لديهم من العمق والثراء الروحي…
ما يكفي ليلهب خيال فنان لرسم لوحة رائعة الحسن..أو يوحي لأديب..بأن يسطر أجمل رواية…
حسبك أن تتجول في مصر القديمة… لترى النسوة..وقد التففن بعباءاتٍ سود…تضفي عليهن حسناً و ملاحة…مصداقاً لقول الشاعر…”قل للمليحة فى الخمار الأسود”
أو أن ترى الرجال…وقد عنين بشاربهن…في شبه اتفاق…فلا تكاد ترى رجلاً…بغير شارب..كأنما قد اتخذنه ..رمزاً للرجولة…بل هو كذلك في معتقدهم
في هذه الأماكن.. كما يقولون _على حد تعبيرهم_ الست ست والراجل راجل…
لم يختلط بذهنهم بعد…مفهوم الاسترونج إندبندنت وومن العصرى… لأن المرأة هنا حقاً _ رغم تقديرها للرجل_فهي بألف رجل…
هي شريكته ..في الحياة ورفيقته في الكفاح ..بغير فلسفة…ولا كلام مدارس…
ففطرتهم وثقافتهم..أن تساند الرجل .. لكنها..بغير تعليم…قد فطنت بغريزتها الفطرية…التي لم تشوهها الحداثة…أن الرجل يحب التقدير …
ذات مرة…بإحدى وسائل المواصلات…جلست بجانبي سيدة..من ساكني تلك المناطق الشعبية… وبجانبها..ولدها أو راجلها …كما تسميه…لتعطيه الأجرة ليرسلها للسائق…
ولما طالبها السائق بالأجرة..أشارت لولدها في فخر..وربتت على كتفيه..”بعتهالك..أومال إحنا بنربوا رجالة ليه”
…ليستشعر ولدها الزهو والقوة…
إنني هنا لا أتحدث عن الذكورية الشرقية…ولا أمجد صناعة الرجل الفرعون…الذى نجيد صناعته في الشرق…ولا أثير غيظ الفيمنست..
ولكنني أتحدث عن أناس…فهموا أصول اللياقة..وفن الحياة..
كيف يكون الرجل وكيف تكون المرأة..بلا كثير كلام…
فالمرأة هنا تعمل..ولا أحد يتفلسف بشأن جلوسها في البيت…والمطبخ .. وأحاديث الرفاهية ..التى أصدعتنا في التليفزيون…
إننا عصريون جداا…وقرأنا الكثير من الكتب..وارتدنا أعرق الجامعات…لكن لازلنا نفتقر…الحارة الشعبية…لشد ما نحتاج أن نطيل النظر في تلك الأزقة…لعلنا نعرف عن الحياة..ما لم تنبئنا به الكتب!
لا تعليقات بعد على “أهل الحارة”