الخروف وحلم الحرية

الخروف وحلم الحرية

بقلم خالد الحديدي

عاشت الخراف الأليفة في عبودية
منذ آماد بعيدة وأصول سلالتها مجهولة.

وفي يوم من الأيام جيء بخروف إلى المزرعة ، في البداية أثبت هذا الخروف قدراته على أفضل وجه، فهو لم يناقش أي شيء، ولم يهتم بأي شيء، حتى إنه لم يفهم أين أحضروه ولماذا، ولكنه يعيش فقط.

فجأة انتاب هذا الخروف حلم ، ولم يفهم الخروف هذا الحلم ولم يستطع تفسيره. لكنه شعر فقط بإحساس غريب يتسلط عليه، وبشيء من الاضطراب والكابة، شعر أن هذه المزرعة وهذا العلف حتى هؤلاء القطيع لا يمت إليه بصلة، صار يتجول في المزرعة كالتائه، يمأمئ فقط. فصار يبحث عمن يفسر هذا الحلم ما الذي رأيته في الحلم؟ فسروا لي ما الذي رأيته؟ ولكن الخراف لم تظهر أي نوع من أنواع التعاطف تجاه القلق الذي شعر به، ودون مبالة نعتوه بالحكيم والفيلسوف، الذي كان يعني بلغة الخراف المجنون.

منذ أن بدأت الأحلام تراوده ، أصبح خروفًا كسولًا وحالمًا، وبينما يمأمئ من الصباح حتى المساء.

اشتكت الخراف الأخرى لصاحب المزرعة : إن هذا الخروف البليد لا يقوم بواجبه، فقرر صاحب المزرعة معاقبة هذا الخروف الكسول، فجز صوف الخروف، ولكن الخروف رأى الحلم في الليلة نفسها مجدداً.
ومنذ ذلك الحين، لم تفارقه الأحلام؛ فحالما يثني ساقه تحته، تسيطر عليه الغفوة، ولا يعرف إذا كان الوقت ليلاً أم نهاراً.
وحالما يغمض عينيه تتغير هيئته كلياً، ولا تظهر على وجهه أي أمارات تدل على أنه خروف يسير شاردا، ولم يستطع أن يفسر ذلك هو نفسه…. وكان الذي يعرفه إنه خروف، لكن وضعه كخروف بحد ذاته كان يعذبه ولا يوجد ألم أكثر حرقة من التحول عاجزاً من الظلام إلى نور غياب الوعي المزعج.
إنه يدرك، بشكل غامض، بأن العالم لا ينتهي عند سياج المزرعة، وأن ثمة مستقبلاً وضاء وبهيجًا يتفتح وراء هذا السياج، وهو لا يستطيع تحديد حتى سمات هذا المستقبل. إنه يتحسّس النور والحرية، لكنه لا يجد جوابا على السؤال حول ما هو النور والحرية؟

ومع تكرار الأحلام ازداد اضطراب الخروف أكثر فأكثر، ولم يجد أي تعاطف من باقي الخراف. بل كانت تفزع منه وتخشاه
أما صاحب المزرعة بخبرته في تربية الخراف؛ كان يعرف السبب في هذا التحول في سلوك هذا الخروف.وأخذ يقول:
– ما دمت قد ولدت خروفا؛ يجب أن تعيش هكذا !
لكن الخروف منذ بدأت تراوده الأحلام، بات يتراءى له باستمرار انتماء آخر. وأصبحت حياته بائسة، راح الهزال يدب فيه والوهن أيضاً يوماً بعد يوم، ويزداد أكثر حتى إن الخراف الغبية حسدته وصارت تتهامس فيما بينها غدت سحنته تفيض بالفطنة والذكاء أكثر فأكثر
وأشفق عليه صاحب المزرعة، فقد عرف أنه خروف حر.

ثم جاءت لحظة النهاية وفي الليل ساد السكون المطبق في كل مكان،
كان الجميع نياماً فقد غفت الخراف بالقرب من السياج، ونكست رؤوسها. أما الخروف فكان يرقد وحيداً . وفجأة هب بسرعة وبخوف، ومد عنقه، ورفع رأسه إلى الأعلى، وتمطى بكامل جسده وقف في وضعية الانتظار ، كما لو أنه يتنصت ويمعن النظر ويتأمل، وقف عدة دقائق، ثم انطلقت من صدره مأماة شديدة وغريبة … كانت مأمأة احتضار.
عندما سمعت الخراف أصوات الاحتضار قفزت من مكانها برعب واندفعت وحدث هرج ومرج بين القطيع الخراف المضطرب. لكن الخروف لم يلق بالاً إلى الهرج والمرج حوله، وانغمس بكل كيانه في تأملاته.
لقد ظهر سر أحلامه أمام بصره…. بعد لحظة، ارتجف لأخر مرة، وهمد فوق الأرض ميتاً.
عرف صاحب المزرعة سبب هذه المصيبة التي حلت به
فحدث نفسه: لا بد أنه رأى في الحلم خروفاً حراً. لقد رأه في الحلم، لكنه لم يستطع إدراك السلوك الحقيقي الواجب اتباعه.. ولهذا أصابته في البداية كآبة، ومع الوقت مات وهذا ما يحدث ايضا للبشر هذه عبرة لنا .. لو هذا الخروف كان في مكان آخر لتحول لماعز
أما عندنا فالقاعدة السائدة هي: ما دمت خروفاً ابق خروفاً، وعندئذ سيكون صاحب القطيع راضياً، والحكومة أيضاً ستكون مسرورة، وسيتوفر لديك كل ما ترغب فيه العشب، والعلف، وستكون باقي الخراف راضية أيضاً عنك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *